Home | Novidades Revistas Nossos Livros  Links Amigos

 

الاحد, 25 يناير, 2009

حوار مع الفيلسوف الإسباني خوليان ماريّاس Julián Marías
 
حوار مع الفيلسوف الإسباني خوليان ماريّاس  Julián Marías
 
ترجمة: أحمد يماني
خوليان ماريّاس (1914-2005) أحد أهمّ الفلاسفة الإسبان، تتلمذ على يد أورتيجا إي جاسيت وشابيير زوبيري، وأسّس مع الأوّل "معهد الإنسانيات" في مدريد. لم يقم بالتدريس في الجامعات الإسبانية في عهد فرانكو لأسباب إيديولوجية، لكنه قام بالتدريس في عدة جامعات أوروبية وأمريكية. قرأ كذلك النصوص الأساسية في الفلسفة في اللغتين اليونانية والألمانية وأصدر كتابه الهامّ "تاريخ الفلسفة" وهو في السادسة والعشرين من عمره. له عدد هائل من المؤلّفات نذكر منها: "فكرة الفلسفة"، "هنا والآن"، "التربية العاطفية"، "خريطة العالم الشخصي"، "بين قرنين". 
  كيف تري الوضع الحالي للفكر الفلسفي؟ وأيّ موضوعات تكرّس لها وقتك مؤخّرا؟
أعتقد من خلال وجهة نظر سوسيولوجية عامّة أنّ الفكر ليس في وضع جيّد. وأنّ كثيرا ممّا يقال ومما ينشر-في تقديري- ليس على علاقة كبيرة بالفلسفة.
أواصل التفكير في الاتجاه الذي نحوته منذ سنوات عدة وقد نشرت سلسلة من الكتب في الفترة الأخيرة ربما تكون بعيدة عن الأنثروبولوجيا الميتافيزيقية، فكلّ ما كتبته من كتب منذ العام 1970 إنما هو سبر لواقع الحياة الإنسانية وخاصة الجبلة الشخصية، فكرة الشخص. في هذا الصدد أعتقد أنّ هذا ما تقدّم بالفعل أكثر: الكتب الأخيرة، "علّة الفلسفة"، "خريطة العالم الشخصي"، "بحثا عن الأفضل" وأخيرا "أشخاص" -كتاب صغير هو الأخير الذي نشرته في البحث الفلسفي- أعتقد أنها محاولات لسبر واقع الشخص والذي يبدو لي يوما بعد يوم أكثر أهمية وأكثر اختلافا عن الأشياء. ما يشغلني بالضبط كيفية وجود اتجاه للسقوط في فكر الأشياء، في التشيؤ، ونسيان الشرط المختلف تماما للأشخاص كواقع دراماتيكي وإسقاطي يقوم في جانب كبير منه على اللاواقعية، واقعي ولاواقعي في الوقت ذاته وعلى هذا فهو ليس بشئ. وهذا ما يقلقني، أعتقد أن الفكر الحالي المهيّأ عبر التاريخ وعبر نظرية الحياة الإنسانية قد تقدم بشكل ظاهر في الآونة الأخيرة. أنوي أن أواصل هذا العمل ما دمت حيّا وأتمتّع بالإدراك.
وأيّ محاضرات تقدّمها مؤخّرا؟
أقوم بإعطاء عدة محاضرات منها ما يتعلق بإسبانيا في القرن الواحد والعشرين ومنها ما هو على علاقة مباشرة بالمسيحية، أحاول فيها أن أحدّد كيف يرى الواقعَ شخص عانى من تأثير المسيحية، ولا أعني فقط الأشخاص المؤمنين، والذين هم في واقع الأمر مسيحيون، بل الذين ولدوا وتشكّلوا في بلاد مشروطة بالمسيحية، أي أوروبا وأمريكا، كلّ الغرب وبعض البلاد الأخرى التي تلقت هذا التأثير العام. أي أنهم أشخاص تلقوا رؤية للواقع ذات صيغ عقائدية ومفاهيم تجعلهم مختلفين عن الآخرين، وأنا أحاول أن أحلّل ما يقوم عليه هذا. أعتقد أنّ الأمر كالتالي: تقوم المسيحية بالتحديد على التأويل الشخصي للإنسان، المسيحية هي الرؤية الشخصية للإنسان وبالتأكيد للإله كذلك. الطريف في الأمر أنه بسبب إثقال الفكر اليوناني، غير وقبل المسيحي، على الفكر المسيحي –وخاصة اللاهوتي منه- والمتركز(الفكر اليوناني) في مجموعة مفاهيم طبيعية - مفاهيم مثل الماهية والعلة والجوهر والطبيعة إلخ، فإنه لم يتم التفكير كفاية في واقع الشخص في المسيحية. وما يبدو لي مثيرا للاهتمام أنّ الفكر الآني هو الذي يقوم باكتشاف مناهج لاستقصاء فكرة الشخص والحياة الإنسانية فيما هي عليه وهذا ما سوف يسمح حقيقة بطرح مشكلة المسيحية بطريقة مناسبة عقليا. أعتقد حتى في إمكان وجود نوع من "النهضة" للفكر اللاهوتي من خلال نظرة جديدة تماما موجودة في لحظات بعينها. بديهيّ مثلا أنه في فكر القديس أغوسطين أو ريكاردو دي سان بيكتور أو القديس أنسيلمو، ثمّة مقاربة، ثمّة دلائل بعينها، ثمّة فكرة لتأويل الله، انطلاقا مما يعلّمنا الإنسان، ففي نهاية الأمر ما يبدو معقولا، إذا كان الإنسان قد خلق على صورة أو على شاكلة الله فإنه يبدو مناسبا الابتعاد عن الصورة كي نفهم المثال وليس الابتعاد عن الأشياء التي هي أكثر بعدا، بالكيفية التي أرى بها أن هذا هو الطريق الذي يمكن أن يوجد عبره تقدّم هامّ في الفلسفة، ومن جانب آخر مقاربة للفكر اللاهوتي ستكون على جانب كبير من الأهمية كذلك.
 ولكن كيف ترى، في أيامنا هذه، فكرة احترام الشخص واعتباره. هل تقدمنا حقيقة في هذا الشأن؟
أعتقد أنّ ثمّة وعيا بفكرة أنّه يجب أن يكون كذلك. في الممارسة ليس الأمر بالغ الواقعية وهناك بالطبع احتقار للشخص وهناك اغتصاب لحقوقه، وهناك أحيانا اغتصابات كبرى للأشخاص ولكنّ هناك وعيا بأنّ هذا لا يجب أن يكون على ما هو عليه، ثمّة وعي بأنّ هناك واجبات خاصة...
هناك نقطة تبدو لي هامّة: يتم الآن استعمال كلمة "حقوق" ولكن نادرا ما يتمّ استخدام كلمة "واجبات"، على سبيل المثال، عندما يتمّ الحديث عن "حقوق الإنسان"، وأقول إنّ هذا حشو، ليست هناك حقوق أكثر من الإنسان، ليس هناك آخرون. عندما يتحدثون... مثلا، هناك أشخاص يتحدثون عن حقوق الحيوان، أقول ليس للحيوان حقوق، بل علينا واجبات تجاهه وهذا أمر مختلف تماما. كذلك لدينا واجبات تجاه الأشياء: لا يمكنني تدمير لوحة نفيسة أو بناية قيمة: ليس الأمر أنّ لديها حقوقا بل إنّ لديّ واجبات تجاهها، مع الحيوانات الشيء نفسه، لديّ واجبات تجاهها وليس أنّ حقوقا لديها. إنهم يحاولون تحاشي الحديث عن الواجبات... لكن يوجد وعي، كذلك كما أنّ هناك مثلا شعورا إيجابيا –وأعتقد أنّ هذا تقدما في حدّ ذاته- بنوع من التضامن، على الأقل نظريّ. بمعنى أنه يتمّ الشعور أنّ ما يجري في العالم مثلا من أحداث سيئة، والمعاناة في أيّ جزء من العالم إنما تقوم بالتأثير علينا وإنه علينا أن نهتمّ بالأمر. لا ينشغل المرء فقط بما يخصه، بما هو قريب منه، لدينا وعي كذلك بأنّ ما هو بعيد يؤثر علينا. يمكن أن يحملنا هذا إلى نوع من الرياء، أن الناس تهتمّ بالـ "قريب" البعيد، "القريب" يعني من هو على مقربة، لكن هناك من يريد أن يقوم بأعمال كبيرة في بلاد أخرى لا يعرف عنها شيئا. أعتقد أنه يجب البدء بما هو مجاور وقريب. لو حاول كل شخص أن يساهم في سعادة أشخاص محددين يحيطون به فإنّ هذا يعدّ أمرا واقعيا ويمكن عمله والعالم سيصير أفضل، ولكن على أية حال، من الجيد كذلك هذا الشعور، لنقل، بالتضامن العام، أن ما يحدث للإنسان في أي مكان في العالم وبأية صورة كانت إنما يحدث لنا نحن كذلك.
وكيف ترى النزوع الإسباني الخاص تجاه العالم اليوم والمستقبل القريب؟
أعتقد أن الفكر الإسباني في القرن العشرين كان على درجة كبيرة من الإبداع، إنّ لدى الثقافة الإسبانية، إن شئت، حجما ليس كبيرا جدّا بالمقارنة بثقافات أخرى، ولكن مع بداية القرن ومع ما ندعوه بجيل "98" فإنها قد وصلت إلى قمتها، وربما تحصلت على أن يكون لها شخصيات على قدر كبير من الأهمية مثلها مثل أية ثقافة أخرى. ربما يكون البروز الإجمالي ليس كبيرا كما يحدث في الدول الثلاث أو الأربع الأكثر إبداعية في مجال الثقافة، لكنه كان بلدا مبدعا كثيرا، بشخصية جديدة، شخصية تبدو لي هامة: كان لدى المفكرين الإسبان موهية أدبية مكنتهم من التواصل، وهذا ما جعل الكثيرين يبدون اهتماما، وهناك أمر يدهشني وهو أن مبيعات الكتب الفكرية في إسبانيا هي الأعلى في كل أوروبا، لا أحد يعلم ذلك في إسبانيا وعندما أشير إلى هذا الأمر لا يصدقونني، لكنه حقيقي. وهذا يعني أن القراءة هنا أعلى من أي بلد أوروبي آخر، لماذا؟ لأنه لا يقرؤنا المختصون فقط بل الأشخاص المعنيون بأي حقل آخر والذين لديهم نوع من الاهتمام. وكذلك إذا ما تم إعطاء محاضرات فلسفية فإن عدد الحضور يكون كبيرا.
وهل يؤول هذا الأمر إلى خاصية إسبانية بعينها ؟
يؤول إلى الفكر الحيّ، فكر ذي تعبير أدبيّ على قدر كبير من القيمة، يجعل من كتب الفلسفة كتبا قابلة للقراءة وليست مجرد أبحاث غامضة أو تجريدية. بهذا المعنى أظن بإمكانية أن تكون هذه خميرة تحث على العودة إلى الفكر النظري والذي هو معرّض للخطر تقريبا في كل مكان.
من جانب آخر فإنّ لدى إسبانيا وضعا شائقا: إسبانيا بلد أوروبيّ، أحد مؤسّسي أوروبا، وكذلك لإسبانيا رابطة جذرية بأمريكا اللاتينية، أمريكا الهيسبانية أو الإيبيرية، وإذا شئت فإنه المصطلح نفسه، واحد إغريقي والآخر لاتيني، وهنا يجب إضافة البرتغال والبرازيل، وهذا يشكل واقعا كليا. إذن لدى إسبانيا رابطتان واحدة أوروبية والأخرى أمريكية. أقول دائما إن إسبانيا بلد غربي بشكل جذريّ لأنه لا يمكنه التخلي عن أوروبا ولا عن رابطته الأمريكية وهذا يمكن أن يكون عنصر توسعة وانفتاح على كل أنواع التأثير والتنشيط.
تحدثت عن الوجه المزدوج لإسبانيا. ألا يمكن الحديث كذلك عن بعد ثالث، عن البعد العربي لإسبانيا؟
هذا أمر مهمّ جدّا، وكان الغزو الإسلاميّ عام 711 حدثا شديد الأهمية في تاربخ إسبانيا وقد قضى على الملكيات القوطية الجرمانية التي استقرت في إسبانيا واستطاع العرب والبربر احتلال أغلبية أراضي شبه الجزيرة، أفضل كلمة المسلمين، لأنّ العرب في النهاية كانوا أقلية.
كان هذا بالغ الأهمية من خلال وجهة نظر تاريخية وبالطبع سياسية. لكنّ المسيحيين الذين بقوا بعيدين عن السيطرة الإسلامية فهموا الأمر على أنه ضياع لإسبانيا، تمت صياغة المعادلة كالتالي "ضياع إسبانيا" وتمّ فهم الأمر على أنه حدث طارئ. من المدهش أنه بعد قرن أو قرن ونصف من الغزو الإسلامي ظلت هذه الفكرة مهيمنة في إسبانيا المسيحية وقيل إنه حدث عارض ومن ثم شرعوا في إعادة الاستيلاء على الأراضي، والتي هي استعادة لإسبانيا الضائعة. أي أنه يمكن التفكير في أنّ إسبانيا بسبب من التأثير والتعايش مع الثقافة والشعب العربيين فإنها بمعنى ما يمكن أن تكون أقل أوروبية، وبمعنى آخر يمكن أن تكون أكثر أوروبية من الآخرين لأنها أرادت أن تكون مسيحية. البلاد الأخرى هي أوروبية لأنها لا يمكن أن تكون غير ذلك، لكن إسبانيا كان يمكن لها أن تكون كبلاد شمال إفريقيا والتي كانت هيلينية ورومانية ومسيحية ثم بعد الغزو الإسلامي تحولت إلى اللغة والثقافة العربيتين وهي بلاد ذات ديانة إسلامية انضمت إلى هذا العالم، أما إسبانيا فلا، فمن البديهيّ أنه كانت لديها إرادة أن تكون مسيحية، مما يعني أوروبية وغربية، وبهذا المعنى فإنّ لديها نوعا من الأوروبية أكثر من الآخرين.
من جانب آخر فإنّ تاريخ العصور الوسطى كان صراعا بين المسيحية والإسلام وفي إسبانيا حدث هذا جسما بجسم، حدث على القرب بتأثيرات متبادلة، في حقب صراع فعالة من التعايش السلمي ومن الإعجاب المتبادل والتي تركت آثارها. بيد أن ما لا يمكن فعله –وهذا على سبيل المثال خطأ من قبل أمريكو كاسترو- أن نقوم بعمل مقابلة بين ثلاثة عناصر: المسيحية والإسلام واليهودية. إسبانيا بلد مسيحيّ كان على علاقة شديدة القرب بالعالم الإسلامي وتعايش معه وتأثر به، وكانت هناك أقلية يهودية شديدة الفعالية والأهمية، ولكن من البديهي أن العناصر الثلاثة كانت ذات أهمية غير قابلة للمقارنة فيما بينها.
وكيف ترى تقدم الإسلام على المسرح العالمي؟
إنها مشكلة بالغة التعقيد، من البديهيّ أن العالم الإسلامي كبير جدّا وهناك الكثير من الصيغ الإسلامية، وفي أماكن عديدة هناك الكثير من الأشكال المتطرفة وهي، بالمناسبة، مثيرة للقلق. ثمة سلسلة من الروابط تبدو لي على جانب كبير من الخطورة، على سبيل المثال، مد فعالية الدين إلى الحياة السياسية والحياة الشخصية؛ وما يسمّى الآن بالأصولية إنما هو عنصر بالغ الخطورة بطبيعة الحال. سيكون بالإمكان أن يستحيل الإسلام، كما هو عليه حاله اليوم، بالإضافة كلك إلى تحوّله إلى شيء لديه رابط سياسي بالضرورة، إلى خطر كبير، ليس فقط بالنسبة للآخرين ولكن بالنسبة للإسلام نفسه، يمكن أن يكون هناك نوع من التزييف بالمعنى الذي كنت أتحدث به عن الكفر المسيحي بالمسيحية، وبالمناسبة يمكن أن يكون هناك كفر إسلامي بالإسلام بهذا المعنى.
فيما يتعلق بهذا فإنني قمت منذ فترة بتأمّل هذه الفكرة؛ يتحدّثون عن البلاد الإسلامية ولا أحد يتحدث عن البلاد المسيحية. بالطبع في البلاد المسيحية ثمّة أشخاص غير مسيحيين ومن ثم لا يسمح بالحديث عن بلاد مسيحية، أم لعلّه إسلامي كل من يعيش في البلاد الإسلامية؟ لا أعرف، وأفترض أن الأمر ليس كذلك. ولكن، رغم ذلك، يتم الاحتفاظ بالتسمية.
أي أنه في العالم المسيحي هناك نوع من المجموع لا يمكن تسميته مسيحيا والإسلام على العكس، وهذا لا يبدو عادلا بشكل كامل، خاصة وأنه يتنافى مع الحقيقة.
 
حاوره: جون لواند  Jean Lauand
بمشاركة: ماريو سبروبييرو وإليان لوتشي
المصدر: موقع الوان